يكثر الكلام عن قرب الاعلان عن تفاهم لوقف الاعمال العسكرية في الجنوب، ويمهد بالتالي لوقف اطلاق النار واسدال الستار على مرحلة دامية ومأساوية من تاريخ لبنان. وبغض النظر عن الفترة التي سيستغرقها الامر للوصول الى هذه النقطة، الا اننا سنصل الى هناك عاجلاً ام آجلاً، وفي ظل المتغيرات الكثيرة والمتسارعة، هناك بعض الثوابت التي لن تتغيّر، ومنها ان اياً من الطرفين اي حزب الله واسرائيل لن يعترف بالخسارة، وسيكونان كلاهما فائزاً بالنقاط بعد ان اصبح من المستحيل الفوز بالضربة القاضية.

في اسرائيل، وفيما سيتحدث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن "انجازات" لم يسبقه اليها احد، وهي مهمة ومفاجئة من دون اي شك. الا ان هزيمة الانتصار موجودة بواقع عدم تحقيق الاهداف المباشرة التي اعلن عنها لشن هذه الحرب، اضافة الى فشله في استعادة الاسرى لدى "حماس"، وتكبّد خسائر كبيرة في صفوف الجنود والضباط لم يعتد عليها الاسرائيليون. وحده سلاح الجو انقذ ماء الوجه، بفعل غياب اي مقاومة له، فلا طائرات تعترضه، ولا منظومة دفاعية جوية تهدد الطائرات والطيارين.

في لبنان، وبكل واقعية، ينقسم الشارع اللبناني حول نتيجة هذه الحرب فهناك من يعتبر ان المقاومة منتصرة ولو اختلف مع كل العالم، وقسم آخر يعتبرها مهزومة مهما كان الامر، وانه آن الاوان للتخلص منها ولو على يد اسرائيل. اما الواقع فيفرض القول انه بغض النظر عن الاختلاف السياسي والعملي مع حزب الله، الا انه حين يكون الخيار بينه كمكوّن لبناني، وبين اي مكوّن آخر غير لبناني وبالتحديد الاسرائيلي، فلا مجال للتفكير، فالتعاطي والتعايش مع اللبناني يبقى افضل بكثير من التعاطي مع الاسرائيلي، رغم كل الخلافات والتناقضات في العديد من الامور. ولمن يشكك في هذا الامر ويعتبره دعماً اعمى للحزب، ندعوه الى الاحتكام الى التجارب السابقة وما الفائدة التي جناها لبنان وبعض اللبنانيين من الاسرائيليين، وكيف تم تركهم لمصيرهم عند اول احتكاك جدّي، ناهيك عن الفكر الاسرائيلي المريض الذي يعتبر كل الديانات السماوية (مسيحية ومسلمة ودرزية)، تهديدا له ولوجوده ولا بد من السيطرة عليها (بالفكر والمال والاقتصاد) او القضاء عليها عسكرياً. من دون ان ننسى عما كشفته اسرائيل من صورة بعيدة كل البعد عن الانسانية في الاشهر القليلة الماضية ان في غزة او في لبنان.

وتفرض الموضوعية القول ان الحزب ضعف كثيراً بفعل الضربات الاستخباراتيّة التي تلقاها وادت الى اغتيال كامل المسؤولين في القيادة، والى خسارة "توازن الرعب" الذي كان مفروضاً على اسرائيل والذي ساهم في تسريع عملية ترسيم الحدود البحرية سابقاً، وكان يمنع استهداف بيروت مخافة ان تتضرر تل ابيب، كما انه سيعاني الامرّين لاعادة اعمار المنازل والمناطق التي تهدّمت خصوصاً وان الازمة الاقتصادية والمالية لا تزال تخيّم على لبنان. من هنا، ومع التسليم بوجوب عدم انتصار اسرائيل -ولو من باب التمنّي- يجب على الحزب التفكير بمرحلة ما بعد الحرب، خصوصاً بعد استشهاد امينه العام السيد حسن نصر الله الذي كان- شاء البعض ام لم يشأ- ضابط ايقاع الحزب على الساحتين العسكرية والسياسية، وكان يتعاطى مع الاطراف الاخرى من باب المصلحة العامة، واذا كان للبعض مآخذ على ادائه في السياسة، فلا يمكن نكران تأثيره وقدرته على التعامل مع المشاكل الداخليّة اللبنانية وابقائه باباً مفتوحاً لحل الامور، حتى في اوج التوتر والمواجهة على غرار ما حصل في ايار من العام 2008، حين وجّه الحزب سلاحه الى الداخل اللبناني لحماية شبكة اتصالاته في ما اعتبره "استهدافاً لوجوده".

قد لا يعاني الحزب من نشوة الانتصار بعد صمت الاسلحة كما في العام 2006، ولكنه سيعاني حتماً من صدمة متأخّرة لفقدان ركيزته الاساسية المتمثلة بأمينه العام السابق، وسيجد نفسه عند كل حادثة ومشكلة وقرار داخلي، امام معضلة حقيقية في التعاطي مع الاطراف الاخرى، لان المساومة ستعني بالنسبة اليه انه "مكسور"، فيما لا يمكنه "فرض" الامور وسيتعرض لضغوط كبيرة من بيئته ومن الخارج بطبيعة الحال، فيما ستكون القيادات الجديدة فيه، العسكرية والمدنية، امام امتحان قدرة التكيّف مع الامور بنجاح في فترة قصيرة جداً.

بمعنى آخر، على الحزب بهيكليته الجديدة، الابتعاد عن فكرة هزيمة الانتصار، لان من شأنها تعقيد الامور عليه، في الداخل والخارج على حدّ سواء، حيث سيكون بعيدا عن الموضوعية والمنطق.